top of page

الأستاذ الدكتور هاشم صالح التكريتي كما عرفته ، طاهر البكاء

الأستاذ الدكتور هاشم صالح التكريتي كما عرفته

طاهر البكاء

أب 2019

لم يسعفني الحظ أن أتتلمذ على يديه الكريمتين في مرحلة دراستي للبكالوريوس وذلك لأنني درستها في كلية التربية. وعندما قبلت في كانون الثاني 1980 لدراسة الماجستير في كلية الآداب، جامعة بغداد كان الأستاذ هاشم صالح التكريتي من أبرز قامات أساتذة قسم التاريخ فضلاً عن الأساتيذ كمال مظهر أحمد والمغفور لهم صالح العابد وفاضل حسين ومحمد محمد صالح وعاليه سوسه. كنا دورة صغيره تتكون من عشرة طلاب، فكانت قاعة المحاضرات ورشات عصف فكري، كنا نحاول بكل جهودنا أن نلم ونحيط بما يطرحه أساتذتنا من تحليلات لوقائع التاريخ، إذ كانت محاضراتهم تبحث عن العوامل والأسباب المحركة للحدث التاريخي والفاعلة به لا سرد الواقعة التاريخية نفسها.

شاءت الصدف الجميلة أن أتتلمذ مرةً أخرى على أيدي أغلب أساتذتي أعلاه عندما قبلتُ لدراسة الدكتوراه عام 1987.

درسنا على يدي أستاذنا التكريتي، تاريخ الدولة العثمانية، وموضوع المسألة الشرقية، كان يحلل ذلك التاريخ وتلك المسألة وكأنه عاش في زمنيهما، يغوص في تفاصيلهما وكأنه شارك في أحداثهما. فكان حقاً يرسم صورة "بانورامية" جميلة تحلق بالمستمعين إلى ساحات الحدث التاريخي وقصور قادتها وجوع ومعاناة الفقراء وأكواخ ضحاياها.

من المعروف أن أستاذنا أبا زياد ينتمي فكرياً وسياسياً ونظرياً إلى مدرسة أممية تقدمية مختلفة عما كنا نتبناه وننتمي إليه سياسياً وحزبياً، إلا أن ذلك لم يؤثر مطلقاً على منهجه العلمي في تحليل التاريخ، وإبداء آرائه بكل جرأة وشجاعة حتى عندما يتعرض إلى موضوع وموقف وطني عراقي.

لم يتأخر مطلقاً عن موعد محاضرته، ولا يغادر قاعة الدرس إلا وقد أشبع موضوع المحاضرة نقاشاً، يلتزم بإعطاء الدرس حقه وكأنه يؤدي فريضة دينية في محراب مقدس. ينبذ دراسة التاريخ بانحياز، وكتابته بأحكام مسبقة. إذ من المعروف أن يلقي كثير من المؤلفين ذواتهم على الحدث التاريخي، ويلوون عنق الحقيقة كي يثبتوا صحة آرائهم. الأمر الذي لم أتلمسه عند أستاذنا الدكتور هاشم، رغم فكره الاشتراكي التقدمي المحسوب على اليسار"الشيوعي".

ينحدر أستاذنا من عائلة عربية عراقية تكريتية كريمة، وكان بإمكانه أن يستغل هذا الانتماء في ذلك الزمان لنيل مناصب عليا في الجامعة أو الدولة إن هو انتمى ولو شكلياً للحزب السياسي الذي يقود الدولة في حينها، إلا أنه اختار أن يبقى حراً، وفضل رتبة العلم كونها أعلى المراتب.

يتصف أبو زياد بقوة الشخصية وبجدية صارمة في محياه حتى يخيل لمن لا يعرفه عن قرب أنه قاسي القلب، إلا أنه عند عارفيه شخص لا يخلط الجد بالهزل، وقور ودود ومتواضع بكبرياء، لكنه صارم بالحق، جدي في أداء مهامه العلمية، لا يقبل أي تقاعس أو توانٍ من أحد، ويحمل قلباً كبيراً.

حضرت له وشاركت معه مناقشات رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه، فكان بحق أباً كريماً يمتحن طلابه بلغة دافئة، يستهدف الاعوجاج ليقومه، والخطأ ليصححه، والحقيقة ليبرزها، ليس كما يفعل كثيرون، بإبراز عضلاتهم وإظهار قدراتهم واستعراض مهاراتهم أثناء مناقشة رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه.

لم أكن أتوقع أن تُقدِم جامعة بغداد على إحالة الأستاذ الدكتور هاشم على التقاعد وهو في قمة عطائه العلمي، ولم يكن يعاني من مشاكل صحية تعوق أداءه العلمي، بل كنت على يقين بأن الجامعة ستحتفظ به أستاداً متمرساً، إلا أن قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تلك السنوات هيمنت عليها عقليات فردية ، وقادتها سياسة وزير لا فلسفة وزارة ، فلم تفرق بين موظف بسيط نص القانون على إحالته على التقاعد في عمر معين وبين علماء نضجت أفكارهم وتجاربهم وبلغوا الحكمة كلما تقدم العمر بهم. الأمر الذي دعاني ومن بلد غربتي أن أكتب مقالاً استنكرت فيه قرارات الوزارة "[1]".

وفي الختام أقول لاستاذنا الدكتور هاشم إن عجز قلمي ان يعطيك ما تستحقه بجدارة لوصف شخصيتكم فانه ليس تقصيراً بقدر ضيق المساحة في هذا الموضع.

وأخيرأ لا بد لي أن أقتبس قولاً مؤثراً ومعبراً "كفى المَرء نُبلاً أن تُعَد معايبه" فماذا نقول بمن نجح بامتياز في مدرسة الحياة ولمسنا محاسنه وعطاءه الثر؟ غير أنه كان نبيلاً متميزاً، فقد قدم عطاءً علمياً وسيرة وضاءة ستبقى مناراً للباحثين.

[1]- للاطلاع على المقال ينظر: http://aalbakaa.wixsite.com/tahir-albakaa/single-post/2008/10/02/%D9%81%D9%8A-%D8%B6%D9%88%D8%A1-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D8%B0%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF

Tahir Albakaa
Historian
bottom of page