top of page

الموسويون ، أحفاد ام اتباع مذهب ؟ طاهر البكاء

الموسويون..أحفاد أم أتباع مذهب ؟

طاهر البكاء

سألني أحد الأصدقاء عن سبب حرص الكثيرين من العراقيين وغيرهم من الشيعة الإثنى عشرية ، على التلقّب بالموسوي ، أي أنهم أحفادالإمام موسى الكاظم ، دون غيره من الإئمة الإثنى عشر. هذا إذا استثنينا لقبي الحسني ، والحسيني ، والأخير يشتمل الموسوية أيضاً ، لإنه الاصل والموسوية فرع . وبعبارة أخرى لماذا لم يتخذ كثير من السادة لقب ” الجعفري ” نسبة إلى الإمام جعفر الصادق ، والد موسى الكاظم ، وإليه يُنسَبُ المذهب الجعفري ، أو الباقري نسبة للإمام محمد الباقر جد موسى الكاظم ، أو العلوي نسبة إلى الإمام علي السجاد ، أو ” الرضوي ” نسبة للإمام الرضا ، ابن الكاظم أو ” الجوادي ” نسبة إلى الإمام محمد الجواد حفيد موسى الكاظم ، والمدفون معه في الضريح نفسه ، وكذا بالنسبة إلى الهادي والعسكري حفيدي موسى الكاظم .

لم أجد سبباً علمياً ، يبرّر هذه الكثرة ممن يتلقبون بالموسوي ، خاصة وأنّ صديقي ضَمّنَ سؤاله تعجباً منطقياً ، اذ قال أنّ الإمام موسى الكاظم قضى الكثير من عمره الشريف سجيناً في مطامير هارون الرشيد الرهيبة ، وأنه نال من الأذى الكثير مثلما ناله أسلافه ، وأحفاده لاحقاً ، لكنّه لم يرضخ للرشيد ، حتى أنّ بعض مريديه طلبوا منه أن يلتمس العفو من الرشيد إلا أنه أبى ذلك ، وبدلاً من طلب العفو كتب رسالة إلى الرشيد ، لابد من أنها أثارت حنق الأخير ، قال فيها :

” لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء ، ثم نمضي معاً إلى يوم ليس له انقضاء لا يخسر فيه الا المُبطلون “

قضى الإئمة جميعاً بين قتيل بالسيف أو صريع بالسم ، بعد أن أمضى العديد منهم سنواتٍ عجافٍ في سجون بني العباس . فبماذا تميزالإمام موسى الكاظم حتى يتلقب الكثيرون باسمه الشريف دون غيره من الأئمة .

وعلى الرغم من أن الروايات تذكر أن للأمام 37 من البنين والبنات ، وأن عدد الأولاد الذكور الذين أُحصيتْ أسماؤهم كانوا ثلاثة عشر، فإنّ ذلك أيضاً لا يبرر هذا الفارق الكبير بين أحفاده وبقية أحفاد الإئمة .

يخيل لي أنّ هناك سبباً جوهرياً وراء هذا البون الشاسع ، وهو أكثر منطقية ومقبولية ، من أي سببٍ آخر ، وهذا السبب يكمن في الانقسام الذي حصل بين المؤمنين بفكرة الإمامة العمودية التي تحصر الإمامة بذرية الحسين بن علي إثر وفاة اسماعيل الإبن الأكبر للإمام جعفر الصادق في حياة والده. وكان الإماميون في الكوفة قد التفّوا حوله ونقلوا عن أبيه أن اسماعيل خليفته، وعُرف هؤلاء بالإسماعيلية، التي أضحت مذهباً كبيراً ، انتشر في كثير من البلاد الإسلامية وبشكل خاص في الباكستان والهند ، أفغانستان ، سورية ، الجزيرة العربية ، صعيد مصر، وشمال إفريقيا وشرقها. أسّس أتباع الإسماعيلية الدولة الفاطمية في شمال إفريقيا ، ومن تونس امتدت إلى مصر ، حكمتها أربعة قرون تقريباً. وهم مَن أسسوا الجامع الأزهر. وانبثقت عن الإسماعيلية مذاهب أخرى مثل النزارية ، المستعلية ، القرامطة ، الدروز ، البهرة ، والعلويون . وقد عرف أتباع اسماعيل بالإسماعيلة أولاً ، وهم ليسوا من أبناء اسماعيل أو أحفاده ، لكنهم مجرد أتباعِ مذهب.

أراد الإمامية حل مشكلة وفاة اسماعيل بحياة أبيه فقالوا بـ “البداء” أي أن إرادة الله قد تغيرت.

توفي الإمام الصادق ولم يحدِّد هوية الإمام من بعده ، لكن معظم الشيعة ذهبوا إلى القول بإمامة عبد الله الأفطح إبن الإمام جعفر الصادق باعتباره أكبر أولاد الإمام الصادق على قيد الحياة ، لكن مشكلة جديدة ظهرت اذ أن عبد الله الأفطح توفي بعد حوالي أكثر من شهرين بقليل من وفاة والده ، دون ان يخلف ولداً كي تستمر الإمامة العمودية في ذريته ، الأمر الذي أوقع الإمامية في حيرة أخرى.

انقسم الإمامية إلى ثلاث مجاميع ، ادّعى الفريق الأول بانّ عبد الله الأفطح لديه ولد اسمه محمد وقد أخفاه تقيةً ، وهو يعيش في اليمن ، وأنه المهدي المنتظر.

أما الفريق الثاني فقد تراجع عن فكرة إمامة عبد الله الأفطح ، وقالوا إن الإمام هو موسى الكاظم .

أما أصحاب الفريق الثالث فقد تراجعوا عن فكرة الإمامة العمودية الإلهية ، وأجازوا انتقالها إلى أحد الإخوان اذا لم يكن للسابق ولد يرثه ، وهكذا انتقلت الإمامة إلى موسى الكاظم .

وما دام الذين قالوا بإمامة اسماعيل عُرفوا بالاسماعيلية ، والذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح عُرفوا بالأفطحية ، فلابد والحالة هذه ان مَنْ آمن بإمامةِ موسى الكاظم قد عُرفوا بالموسوية ، بل إن فريقاً آخرَ من الإمامية لم يكتف بالقول بإمامة موسى الكاظم في حياته وحدها، بل ادعوا لاحقا استمرار حياته وغيبته بل قالوا إنه هو المهدي المنتظر.

قُدِّر للجناح الذي آمَنَ بامامة موسى الكاظم أن يلقى قبولاً من الإمامية في العراق وإيران. ويخيل لي أن مَن يتلقب بالموسوي على وفق هذه الرؤية لا يكون بالضرورة من أحفاد موسى الكاظم ، وانما هو إما من الأحفاد أو من الاتباع!.

لعل قائلاً يقول كيف لتابع أن يخفي حقيقة انتمائه القبلي والعائلي ويتمسك بلقب آخر ، ومثل هكذا تساؤل مشروع ومنطقي ، ولكن من الممكن رده ببساطة وسهولة ، اذ أن الانتساب إلى بيت النبوة لدى جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم شرف ما بعده شرف يعلو عليه ، فان وجَدَ شَخصُ ما نفسه يحمل هذا اللقب وراثة عن أهله ، هل تجده يا ترى يتخلى عنه حتى لو اكتشف أنه لا ينتمي إلى البيت العلوي ؟ ، كيف له أن يتراجع عن عز هذا الانتماء وشرف منزلته ورفعة الانتساب إلى الشجرة الطيبة، فيعلن أنه ليس منها؟! ، لذا فإن أغلب الذين يلقبون بالموسوي من المسلمين هم ليسوا بالضرورة سادة علويين ، بل أتباع مذهب ليس إلا.


Tahir Albakaa
Historian
bottom of page